التلهوني: تسجيل 21 قضية اتجار بالبشر في الأردن خلال النصف الأول من 2025
الأردن يواصل جهوده الحثيثة في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، مستندًا إلى تاريخ طويل من الاستراتيجيات والتشريعات الصارمة. في اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يوافق 30 يوليو من كل عام، تبرز المملكة بتدابيرها المنهجية لمواجهة هذه الجريمة المنظمة التي تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا.
اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر:
وفقًا لتصريح وزير العدل رئيس اللجنة الوطنية لمنع الاتجار بالبشر، الدكتور بسام التلهوني، لوكالة خبر عاجل، فإن اللجنة الوطنية قد شُكلت استنادًا إلى قانون منع الاتجار بالبشر رقم (9) لسنة 2009. يترأس اللجنة وزير العدل، وتضم في عضويتها أمناء عموم وزارات العدل والداخلية والعمل، والمفوض العام للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وممثلين عن وزارات الخارجية والتنمية الاجتماعية والصناعة والتجارة والصحة، وأحد كبار ضباط الأمن العام، وأمين عام المجلس الوطني لشؤون الأسر.
كما تم تشكيل لجنة فنية مساندة لتسهيل عمل اللجنة الوطنية، من خلال المتابعات والاجتماعات الدورية لمستجدات الاتجار بالبشر، والتنسيق والمتابعة مع اللجنة الوطنية.
مهام وصلاحيات اللجنة:
تتولى اللجنة، بموجب قانون منع الاتجار بالبشر، مهام وصلاحيات من أبرزها رسم السياسة العامة لمنع الاتجار بالبشر، ووضع الخطط اللازمة لتنفيذها والإشراف عليها. كما تتولى مراجعة التشريعات ذات العلاقة، والتنسيق بين الجهات الرسمية وغير الرسمية، ودراسة التقارير الدولية والإقليمية والمحلية المتعلقة بمنع الاتجار بالبشر، والتعاون مع الجهات المعنية لتنفيذ برامج التعافي للمجني عليهم، والإشراف على إيوائهم.
جهود اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر:
أكد التلهوني أن اللجنة الوطنية لم تدخر جهدًا في إرساء الإطار القانوني والمؤسسي الوطني، ودعم الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الاتجار بالبشر. وقد تجسدت هذه الجهود في إقرار القانون المعدل لقانون منع الاتجار بالبشر رقم (10) لسنة 2021، الذي تضمن المزيد من أوجه الحماية للمجني عليهم، وتشديد العقوبات بحق مرتكبي هذه الجرائم، وتوفير قضاء متخصص للنظر في قضايا الاتجار بالبشر، وإنشاء صندوق خاص بمساعدة الضحايا وتعويضهم.
كما ساهم صدور نظام صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر رقم (6) لسنة 2023 في تعزيز أوجه الحماية للضحايا، وتوفير المساعدة القانونية المجانية لهم، والعودة الطوعية الآمنة لهم.
تم إنشاء جهاز تنفيذي متخصص (وحدة مكافحة الاتجار بالبشر) بالتنسيق بين مديرية الأمن العام ووزارة العمل، بالإضافة إلى إنشاء (دار كرامة) التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية لإيواء الضحايا وتقديم المساعدات الصحية والنفسية والقانونية، وتوفير خدمات الإيواء الآمن والمأكل والتأهيل.
في عام 2022، تم إطلاق آلية الإحالة الوطنية المحدثة وإجراءات العمل الموحدة للتعامل مع حالات الاتجار بالبشر، والتي استحدثت نماذج تتضمن مؤشرات دالة على صور الاستغلال، وتحديد أدوار الجهات المعنية، وتأمين الحماية والرعاية الفضلى للضحايا، وإدماجهم أو تأمين العودة الطوعية الآمنة لهم. كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع نقابة المحامين الأردنيين لتوفير المساعدة القانونية المجانية للمجني عليهم.
تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمنع الاتجار بالبشر للأعوام 2024-2027، والتي تعد خارطة طريق تشريعية وإجرائية لتوفير آليات الاستجابة لمكافحة الاتجار بالبشر، بمشاركة الجهات كافة، وتتضمن المحاور الرئيسية الأربعة (الوقاية والحماية والملاحقة القضائية والتعاون) وخطتها التنفيذية.
يتولى المجلس القضائي تعزيز القدرات للمدعين العامين والقضاة بالتحقيق المتخصص بقضايا الاتجار بالبشر، ويتم نشر التوعية لجميع فئات المجتمع عن مؤشرات هذه الجريمة.
تدابير حماية ودعم الضحايا:
أكد التلهوني أنه من خلال إجراءات العمل الموحدة وآلية الإحالة الوطنية، يتم التعامل مع ضحايا الاتجار بالبشر من لحظة التعرف المبكر إلى الحماية والإيواء، مرورًا بالتحقيقات والمحاكمة العادلة، إلى مرحلة إعادة الإدماج أو العودة الطوعية بناءً على اختيار الضحية. كما تم تشكيل لجنة إدارة الصندوق لمتابعة قضايا وشؤون مكافحة الاتجار بالبشر.
تم تسجيل (21) قضية اتجار بالبشر منذ الأول من كانون الثاني لعام 2025، ولغاية 30 حزيران الماضي، وفي عام 2024 تم صدور حكم بالإدانة بـ(43) قضية اتجار بالبشر.
جهود مديرية الأمن العام:
أكدت مديرية الأمن العام أنها أسست وحدة مكافحة الإتجار بالبشر، في إدارة البحث الجنائي؛ لمتابعة جميع القضايا المرتبطة والمتعلقة بأي شبهات بالإتجار البشر، والتعامل معها من جهة، وللتعامل مع الجهات الأخرى المعنية، مثل وزارة العدل والعمل والصحة والتنمية وجميع الجهات ذات العلاقة في مكافحة الإتجار بالبشر بكافة صوره.
تتلخص جهود مديرية الأمن العام في تأهيل الكوادر البشرية وتدريب المرتبات على كيفية تحديد الضحايا المحتملين وآلية التعامل معهم والتحقيق مع الجناة وفق آلية الإحالة الوطنية، فضلا عن الجهود الميدانية والعملياتية من متابعة البلاغات والتحقيق في القضايا وملاحقة الجناة، وتنفيذ الحملات التفتيشية على المواقع التي يشتبه وقوع الاستغلال فيها، ورصد ومتابعة الجرائم المتعلقة بالإتجار عبر الإنترنت.
تشمل الجهود أيضًا التوعية والتدريب وبناء القدرات، بعقد محاضرات وندوات توعوية لأفراد المجتمع المحلي، وخصوصاً الفئات الأكثر عرضة للانتهاك، ودورات تدريبية متخصصة للعاملين في جهات إنفاذ القانون والعاملين في المطارات والفنادق، بالإضافة إلى توزيع البروشورات والملصقات التحذيرية والتثقيفية، كما ويتم إيفاد الضباط المختصين في الجريمة بدورات وندوات خارجية تهدف إلى تبادل الخبرات ورفع مستوى الكفاءات.
تتمثل الشراكة والتعاون الدولي من خلال التنسيق مع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية وعقد جلسات حوارية حول كيفية التعامل مع حالات الإتجار بالبشر وتقديم الحلول والمساعدات، بالإضافة إلى توطيد علاقات التعاون الدولي عبر إبرام الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الدولية وعقد المؤتمرات الإقليمية للوقوف على أبرز المستجدات حول هذه الجريمة وسبل الوقاية منها وأبرز الإجراءات المتبعة في محاربتها وإنقاذ الضحايا، إضافة إلى الرصد والتقييم، بإعداد تقارير دورية حول الجريمة وتطوير مؤشرات الأداء والمساهمة في إعداد التقرير الوطني السنوي لجريمة الاتجار بالبشر.
تشمل الإجراءات المتبعة لحماية ضحايا الإتجار بالبشر وتقديم الدعم اللازم لهم، التعرف على الضحية المحتملة وإنقاذها، والتنسيق مع المدعي العام المختص، وتأمين سُبُل الحفاظ على سلامتها الصحية، وتعبئة أحد نماذج المؤشرات واستمارة مقابلة المستجيب الأول، ومن ثم التنسيق مع دار الإيواء المخصصة (دار كرامة) أو اتحاد المرأة لاستقبال الحالة.
يتم استقبال الحالة بمقر دار الإيواء، وتوفير الترجمة عند الحاجة وتأمين الحاجات الأساسية للحالة، بالإضافة إلى تقديم الرعاية الطبية اللازمة لتقييم المخاطر التي تحيط بالحالة، إضافة إلى توفير المشورة والمساعدة القانونية والنفسية والدعم الاجتماعي اللازمة وإعداد برامج التأهيل والتدريب.
يتم جمع الأدلة والمقابلات الأولية للضحية المحتملة، وتأمين الحماية الأمنية اللازمة لها ومرافقتها أثناء جلسات المحاكمة وإيداعها في إحدى دور الإيواء.
تهدف مرحلة العودة الطوعية للضحايا الأجانب إلى مساعدة الضحية وتمكينها من العودة الاختيارية إلى بلدها الأصلي أو إعادة التوطين إلى بلد ثالث إذا لزم الأمر، حيث يجري عقد جلسة تشاورية عن الحالة من قبل الجهات ذات العلاقة، ويتم وضع خطة للعودة الطوعية للضحية بعد إجراء تقييم المخاطر.
تهدف مرحلة إعادة الإدماج إلى تمكين الضحية من استئناف حياتها كعضو فعال في كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والسياسية والثقافية في المجتمع، وتقوية معنويات الضحايا كي لا يتم استغلالهم مجدداً كضحية للاتجار بالبشر، من خلال ترتيب خدمات الرعاية الصحية عند اللزوم أو استكمال التعليم إذا كانت الضحية بحاجة إلى ذلك أو مساعدتها في التدريب المهني، علما بأنه قد تم إنشاء صندوق مالي خاص لضحايا هذه الجريمه لدى وزاره العدل وذلك حسب الماده (14) من قانون الاتجار البشر وتعديلاته لعام 2021.
دار كرامة:
أفادت وزارة التنمية الاجتماعية بأنه تم إنشاء (دار كرامة) استناداً إلى قانون منع الاتجار بالبشر رقم (9) لسنة 2009، لتمثل الدار مركز خدمات متكامل (اجتماعي ونفسي وطبي وقانوني)، وتدريب مؤسسي لحماية ضحايا الإتجار بالبشر، وفق منهجية عمل تتيح لضحايا الاتجار بالبشر الالتقاء بفريق متعدد التخصصات من الجهات ذات العلاقة لمساعدة الضحايا والحفاظ على كرامتهم وحقوقهم.
يأتي استقبال الدار للضحايا من قبل وحدة مكافحة الاتجار بالبشر بما ينسجم والهدف الاستراتيجي الثاني للخطة الاستراتيجية لوزارة التنمية الاجتماعية للأعوام 2022-2026 المتضمن تعزيز الإدماج الاجتماعي للفئات المحتاجة للحماية والرعاية.
تشمل دار ضحايا الإتجار عدة مرافق لدعم وحماية ضحايا جريمة الإتجار بالبشر، هذه المرافق التي يمكن أن تكون مخصصة لإقامة الضحايا ودعمهم أو تضمين خدمات استشارية داخل الملاجئ؛ وفي بعض الحالات، يمكن توفير الإقامة والتشاور وأنواع الدعم الأخرى في مرافق مختلفة، وكذلك يمكن أن تقدّم أكثر من خدمة من الخدمات المذكور آنفا.
يتم استقبال الضحايا في الدار (المركز) وفقًا لنظام الإحالة الوطني لضحايا الإتجار من جانب، ومن جانب آخر وفقًا للوائح المتّبعة في كل دار (مركز) تستقبل بعض الدور (المراكز) النساء والأطفال والرجال، بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، في حين تستقبل دور أخرى النساء والأطفال فقط، وكذلك تستقبل المرافق الأخرى ضحايا الجرائم المختلفة، التي غالبا ما تكون من ضحايا العنف المنزلي والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك الزواج القسري أو جرائم الشرف وضحايا الإتجار.
مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة:
أوضح مدير فرع الأردن بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أمجد العداربة، أن 30 تموز من كل عام يصادف اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والذي أقرته الجمعية العامة الأمم المتحدة في 18 كانون أول 2013 ليصبح حدثا سنويا يُقام في هذا التاريخ.
يقدم المكتب الدعم الفني للدول الأعضاء في الاتفاقية والبروتوكولات التابعة لها خلال عدة محاور أهمها مراجعة وتحديث وتطوير التشريعات والآليات الوطنية لضمان مواءمتها للمعايير الدولية والممارسات الفضلى وبناء القدرات لجهات إنفاذ القانون ومقدمي الخدمات، وتحديث مؤشرات الاتجار بالأشخاص، وتبادل الخبرات وتعزيز التعاون الدولي في التصدي لهذه الجريمة لارتباطها في كثير من الأحيان بصور أخرى من الجريمة المنظمة مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب المهاجرين، وإعداد التقارير الدولية بهذا الشأن وغيرها من أدوات الدعم الفني.
يرتبط المكتب في الأردن بشراكة وثيقة مع الحكومة الأردنية والمؤسسات الوطنية ذات العلاقة من خلال العديد من المشاريع الهادفة إلى تعزيز الجهود الوطنية في مكافحة الجريمة المنظمة بمختلف صورها، ومن بينها جريمة الإتجار بالأشخاص، حيث دأب المكتب ومنذ العام 2009 على تقديم الدعم الفني وتعزيز جهود المملكة في التصدي لهذه الجريمة من خلال التعاون في مجال تطوير التشريعات وتحديث الآليات الوطنية وبناء القدرات وتعزيز التعاون الدولي وإعداد الإستراتيجيات الوطنية بما يتماشى مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى بهدف حماية الضحايا وتقديم الدعم النفسي والصحي اللازمين، كما تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية والإقليمية بهذا الشأن في العاصمة الأردنية، بالتعاون مع المكتب.
تبنت الحكومة الأردنية نهجا شموليا وتشاركيا في التصدي لهذه الجريمة من خلال التعاون مع العديد من المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك البعثات الدبلوماسية والقطاع الخاص، إيمانا منها بضرورة التعاون الدولي في مكافحة هذه الجريمة، والتي ترتبط في الكثير من الأحيان بصور أخرى من الجريمة المنظمة، لا سيما غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب المهاجرين.
المركز الوطني لحقوق الإنسان:
أكدت مفوضة الحماية في المركز الوطني لحقوق الإنسان، الدكتورة نهلا المومني، أن الأردن انطلق حقوقيا في مواجهته لجريمة الإتجار بالبشر متسقا في ذلك مع برتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص وبخاصة النساء والأطفال المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2009.
عبر الأردن عن التزامه الإنساني والحقوقي بمكافحة هذه الجريمة عبر مصادقته على اتفاقيات عدة أخرى، أبرزها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة التي تلزم الدول باتخاذ إجراءات تمنع الرق والإتجار بالرقيق أو العمل الجبري. وكذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على مكافحة جميع أشكال الإتجار بالمرأة واستغلالها، وأيضا اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي ألزمت بعدم إخضاع الأشخاص ذوي الإعاقة للرق أو العبودية، وحمايتهم على قدم المساواة مع الآخرين، من العمل الجبري أو القسري، واتفاقية حقوق الطفل التي نصت على أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو الإتجار بهم لأي غرض من الأغراض أو بأي شكل من الأشكال وغيره.
رأي قانوني:
أوضح أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية، الدكتور ليث كمال نصراوين، أن جريمة الإتجار بالبشر تشكل تحديا إنسانيا وقانونيا للمجتمع الدولي، ومن ضمنه الأردن الذي انخرط منذ سنوات في الجهود الدولية الرامية إلى التصدي لهذه الجريمة المنظمة، وذلك من خلال الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية وإصدار تشريعات وطنية لمكافحتها والتعاون مع المنظمات الدولية.
أشار إلى أنه على صعيد الإطار الدولي، فقد انضم الأردن إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولها الملحق الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال، مما يعكس التزامه بتعزيز الإطار القانوني بمستوى إقليمي ودولي.