تساؤلات حول حجم ترسانة حزب الله العسكرية: خبراء لـ(خبر عاجل) يشيرون إلى أن صواريخها أصبحت عملياً خارج الخدمة وتُستثمر كورقة ضغط داخلياً وخارجياً. تقرير يستعرض القدرات العسكرية للجماعة اللبنانية.
في ظل الدعوات الحكومية المتزايدة لحصر السلاح بيد الدولة، تتصاعد التساؤلات حول القدرات العسكرية لـ “حزب الله”، خاصة بعد الخسائر التي تكبدها خلال المواجهات مع إسرائيل بين أكتوبر 2023 ونوفمبر 2024، بالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية المستمرة التي تستهدف بنيته التحتية في جنوب لبنان.
تؤكد الحكومة اللبنانية أن “حزب الله” قد سحب معظم قواته من المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، بعد أن تعرضت أكثر من 90% من منشآته ومواقع إطلاق الصواريخ التابعة له لغارات إسرائيلية مكثفة، في حين قام الجيش اللبناني بتفكيك المزيد من هذه المنشآت. على الرغم من ذلك، يواصل الحزب الترويج لقدراته العسكرية والتلويح بإمكانية توسيع نطاق المعركة إذا لزم الأمر.
خبراء عسكريون، في تصريحات لـ “خبر عاجل”، يرون أن هذا الخطاب التصعيدي يخفي وراءه “ثغرات عميقة في البنية القتالية للحزب”. ويتفق هؤلاء الخبراء على أن “حزب الله” قد فقد الكثير من قدراته اللوجستية وتضرر عمقه الاستراتيجي، بينما ارتفعت قدرات الرصد الإسرائيلية إلى مستويات غير مسبوقة، مما يجعل أي تهديد بإطلاق صواريخ بعيدة المدى “مغامرة غير قابلة للتنفيذ وذات تكلفة باهظة”.
على الرغم من التراجع الميداني، يصر الحزب على امتلاكه صواريخ متوسطة وبعيدة المدى قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي. لكن التطورات الميدانية تثير شكوكًا جدية حول فعالية هذه الترسانة وقدرتها على الاستخدام في ظل الرقابة الجوية الإسرائيلية الدقيقة.
صواريخ مكشوفة وقابلة للإبطال
وفقًا لتقييم الخبراء، فإن هذه الصواريخ، حتى لو بقي منها شيء، أصبحت عمليًا خارج الخدمة. العميد الركن المتقاعد، خليل الحلو، يرى أن الخطاب التعبوي لـ “حزب الله” يخفي “تراجعًا كبيرًا في قدراته العملياتية، خاصة فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى”. ويقول لـ “خبر عاجل”: “هذا النوع من الصواريخ يتطلب تجهيزات زمنية ومنصات ثابتة أو شبه ثابتة، مما يجعلها أهدافًا سهلة للرصد الجوي الإسرائيلي”.
تفوّق التقنيات الإسرائيلية
يضيف الحلو: “لم يعد الجنوب بيئة آمنة للإطلاق، كما أن البقاع الشمالي تلقى ضربات دقيقة. بالتالي، يمكن الجزم بأن هذا السلاح أصبح عاجزًا عن تنفيذ أي مهمة هجومية جدية. وحتى لو بقي جزء من هذه الصواريخ، فإن تشغيلها في ظل المراقبة الجوية الشديدة مستحيل دون التعرض لكشف فوري أو ضربة وقائية”.
ويشير الحلو إلى أن “تل أبيب طورت شبكة مراقبة فائقة تعتمد على طائرات مسيّرة، وأقمار اصطناعية، واستشعار بيومتري، مدعومة بأنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على تحليل الإشارات البصرية والحرارية. هذه الشبكة تجعل أي تحرّك صاروخي، أو نقل قاذفات، أو تجهيز للمنصات… خطوة محفوفة بالمخاطر”.
ويضيف: “إسرائيل بدأت باستخدام تقنيات اعتراض بالليزر إلى جانب (القبة الحديدية)، وهو ما يقلّص من جدوى أي قدرة صاروخية متبقية لدى الحزب، ويحوّل سلاحه إلى عبء أكثر منه رادعًا”.
سوريا لم تعد ممراً آمناً
يؤكد العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر أن “حزب الله” يعيش حالة إنكار في ما يخص واقعه العسكري، وأن تهديداته بإطلاق صواريخ بعيدة المدى لا تعكس الواقع الميداني.
ويشرح لـ “خبر عاجل”: “كنت أظن أن الحزب يستطيع الاستغناء عن التمركز جنوب الليطاني لإطلاق صواريخه، لكن الضربات الإسرائيلية التي طالت البقاع أثبتت أن هذه القدرة مقيّدة بشدة. لم يعد لديه مرونة في الإطلاق دون انكشاف أو استهداف”.
ويقول إن “طرق التهريب عبر سوريا أصيبت بالشلل، والمعابر البرية والمرافئ البحرية أصبحت تحت رقابة لصيقة؛ ما يجعل إدخال صواريخ أو معدات تصنيعها عملية شبه مستحيلة من دون التعرض لضربات إسرائيلية”.
ويرى عبد القادر أن تمسّك “الحزب” بسلاحه الثقيل اليوم: “لم يعد نابعاً من جدواه العسكرية، بل من رمزيته السياسية”، قائلاً: “ما تبقى من الترسانة لا يُستخدم عسكرياً، بل يُستثمر كورقة ضغط داخلياً وخارجياً”.
ما الذي تبقّى من الترسانة؟
تُشير تقديرات عسكرية متقاطعة، وبينها إفادة القيادة الشمالية بالجيش الإسرائيلي قبل أيام، إلى أن ما تبقّى من الترسانة الصاروخية لا يتجاوز الـ 30% من حجمها قبل اندلاع الحرب الأخيرة.
ويؤكد الحلو أن “(الحزب) بات يعتمد على أسلحة خفيفة محمولة ومضادات دروع دفاعية، في إطار استراتيجية محلية تهدف إلى صد أي توغل، لا إلى تنفيذ ضربات استباقية”.
من الردع إلى العبء
ورغم أن خطاب الحزب الإعلامي لم يتغيّر، فإن موازين القوى تبدّلت؛ فـ “الصاروخ الذي كان يهدد به تل أبيب قبل عشر سنوات، بات اليوم تحت مجهر الذكاء الاصطناعي”، وفق ما يُجمع عليه كل من الحلو وعبد القادر.
في السياق، يلفت الحلو إلى أنه “مع الانسحاب من جنوب الليطاني، والانكشاف العسكري في الداخل اللبناني، تراجعت قدرة (الحزب) على المبادرة الهجومية. وباتت صواريخه البعيدة، حتى وإن وُجدت، أشبه بحطام معنوي. أما الرهان على سلاح الردع الثقيل، فقد انقلب إلى عبء سياسي وعسكري، لا ورقة قوة كما في السابق”.