أهمية شهر شعبان في الفقه الإسلامي
تناول العلامة عمر بن الحسين أبو الخطاب المشهور بـ«ابن دحية الأندلسي» فضل شهر شعبان ومزاياه في كتيب بعنوان «ما وضح واستبان في فضائل شهر شعبان»، ويصنف هذا الكتاب ضمن الأجزاء الحديثية، حيث روى أحاديث الكتاب مسندة عن شيوخه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والكتاب مع صغر حجمه إلا أنه اشتمل على فوائد علمية وعملية قيمة يستحق التنبه إليها.
وابن دحية السبتي أحد أعلام سبتة الكبار، الذي جمع بين فنون شتى في علوم مختلفة؛ كالحديث، والسيرة، واللغة، والأدب وغيرها، فبلغت شهرته الآفاق، وكُتب لمؤلفاته القبول مغربا ومشرقا، وبلغ حد البراعة فيها، حتى صارت مرجعا مهما لكل من جاء بعده من العلماء.
اشتمل كتابه هذا على ما جاء في اشتقاق شهر شعبان، وما ورد في فضل صيامه من أحاديث صحيحة ملتزما في كل ذلك بالرواية على طريقة المحدثين، ثم تطرق إلى مجموعة من الأحاديث الموضوعة في شعبان وأثرها في تضييع بعض الأحكام، وتحذير الناس منها.
في شهر شعبان نزلت فريضة شهر رمضان وفي النصف من شعبان حولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام المحفوف بالرحمة والغفران، وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعلاء كلمة الله غير مقصر ولا وان. كان شعبان شهرا تتشعب فيه القبائل، أي: تتفرق لقصد الملوك
أما الأحاديث في فضائل شهر شعبان الثابتة عن سيد البرية فمنها:
1- عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياما منه في شعبان». هذا حديث مجمع على صحته.
يقول أبو الفتوح العجلي: احتج الشافعي في القديم بهذا الحديث، فقال: وأكره أن يتخذه الرجل صوم شهر يكمله كما يكمل رمضان، وكذلك يوما من الأيام. قال: وإنما كرهته ألا يتأسى رجل جاهل فيظن أن ذلك واجب، وإن فعل فحسن.
قال ابن دحية الأندلسي: وهذا الذي قاله الشافعي ترده السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو حفظ الشافعي رحمه الله ذلك لرجع إليه وترك كلامه؛ لما رواه عنه الفقيه أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي، قال: سمعت الشافعي يقول: «لقد ألفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، لأن الله تعالى يقول: «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» (النساء: 82)، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه».والتماس العطية،ويقولون: شعبانات وشعابين
- أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين أو السائل الذي سأله أن يصوم من سرة شعبان، أعني: وسطه على اختلاف أهل اللغة في هذه اللفظة. عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أو لآخر: «أصمت من سرر شعبان؟ قال: لا، قال: فإذا أفطرت فصم يومين».
وفي رواية: «إذا أفطرت رمضان فصم يوما أو يومين» فحض رسول الله صلى الله عليه وسلم على صيام هذا الشهر، وأمر من لم يصم منه أن يصوم بعد فطر رمضان يومين، وذلك لبركة شعبان.
3- عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: «كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، ولم نره صائما من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلا». صحيح مسلم (3).
حكمة تفضيل شهر شعبان إنما شرف شعبان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله، ويبين بخصوصية صيامه محله. وفيه من الفقه الحث على تعظيم الجار؛ فطوبى لمن عمل فيما يستقبل من هذه الأيام الفاضلة، وإن كانت الأعمال فيها متفاوتة متفاضلة، بما يدخره في دنياه لآخرته، ولم يكن ممن يأخذ الأمر بآخرته، وتمسك بأهداب أفعال المتقين، وتصدق والله يجزي المتصدقين، وفكر في الأقربين وذوي الأرحام، ممن أمل أن يرى هذا العام، ويشاهد هذه الأيام، فحيل بينه وبين هذا الأمل، ولم يجد إلا ما قدمه بين يديه من العمل، وكل شاة برجلها تناط، وليس في الآخر إلا التقى مناط، فرحم الله من تخلق بالكرم، الذي هو اسم من أسماء رب العالمين، وآثر على نفسه ومنح عباد الله وكف أيدي الظالمين، وتحرى بصدقة ماله فضائل الشهور والسنين، ودعا ربه خوفا وطمعا «إن رحمت الله قريب من المحسنين» (الأعراف: 56)..